السََعْيُ وَالْحَرَكَةُ وراءَ الغايَةِ: بقلم... أ.د. لطفي منصور


السََعْيُ وَالْحَرَكَةُ وراءَ الغايَةِ:
بقلم... أ.د. لطفي منصور

............................
إنِّي أومِنُ أنَّ هذا الكَونَ الشّاسِعَ الذي لا حُدودَ لَهُ، أَوْ لا نَعْرِفُ لَهُ حُدودًا، والَّذِي نَحْنُ أبْناءُ المجموعَةِ الشَّمْسيَّةِ جُزْءٌ حَقيرٌ مِنْ إحْدَى مَجَرّاتِهِ، الَّتِي تَتَعَدَّى الملايينَ عَدَدًا، ولا يَعْرِفُ عَدَدَها إلّا اللَّهُ سُبْحانَهُ، هذا الكوْنُ تَتَحَكًَّمُ فِيهِ ثَلاثُ قُوًى هِيَ: الحرارَةُ النّاتِجَةُ مِنْ مادَّتِهِ، وَالْحَرَكَةُ التي هِيَ بِفِعْلِ الْحَرارَةِ والانْدِفاعِ، والْجاذِبِيَّةُ بِفِعْلِ القْوَى المغناطيسيَّةِ الْهائِلَةِ الموجودَةِ في كُلِّ جُرْمٍ فَلَكِيٍّ.
إذًا كُلُّ شَيْءٍ في الْكَوْنِ يَتَحَرَّكُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الأَرْضِ يَتَحَرَّكُ بِقُوَّةِ دَوَرانِها.
والسَّعْيُ هُوَ الْقَصْدُ، وفِي القرآنِ "فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ". والسَّعْيُ هُوَ الْجَرْيُ دُونَ شَدٍّ، كَمَا هُوَ الحالُ في السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا والْمَرْوَةِ، وَهْوَ الرَّمَلُ والهَرْوَلَةُ.
وَسَعْيُ الإنْسانِ في طَلَبِ الرِّزْقِ مَطْلوبٌ، لِأَنَّ السَّماءَ لا تُمْطِرُ ذَهَبًا ولا فِضَّةً. وفِي القُرْآنِ "وَأَن لَيْسَ لِلْإنْسانِ إلَّا ما سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى". والفَرْقُ بَيْنَ السَّعْيِ والمَشْيِ أنَّ مَعْنَى الْمَشْيِ الانتِقالُ مِنْ مَكانِ لِآخَرَ بِالإرادَةِ. أمَّا السَّعْيُ فالإنْسانُ مُضْطَرٌ إلَيْهِ لِلْوُصولِ إلَى الغايَةِ المَقْصُودَةٍ. فَهُوَ مُتَحَرِّكٌ بِحَرَكَةٍ مُسْتَمَدَّةٍ مِنَ حَرَكَةِ الكَوْنِ فيها شَيْءٌ مِنَ السُّرْعَةِ. وهيَ اضطِراريَّةٌ لِتَوْفيرِ مُقَوِّماتِ الْحَياةِ، وهيَ وَقُودُ الْحَرَكَةِ، تَمامًا كَحَرَكَةِ الكَوْنِ بِفِعْلِ الطّاقَةِ والانفجارِ والاندفاع.
لا يوجَدُ شَيْءٌ في الْكَوْنِ ساكِنٌ. وَيُخْطِئُ مَنْ يَظُنُّ أنَّ الشَّمْسَ مُسْتَقِرَّةٌ. وَقَدْ ذُكِرَ في القُرْآنِ:"والشَّمْسُ تجري لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزبزِ الْعَليمِ". وَقَدْ ثَبَتَ عِلْمِيًّا أنَّ الشَّمْسَ والكواكِبَ السَّيّارَةَ مَعَها كُلُّها تَجْرِي نحوَ نجمٍ عِمْلاقٍ، يفوقُ حَجْمَ المجموعةِ الشَّمْسِيَّةِ بِآلافِ أَوْ مَلايِينِ المرّات. هذا النَّجْمُ يُدْعَى النَّسْرَ الواقِعَ، وَهْوَ في القِسْمِ الشَّمالي مِنَ الكُرَةِ الأرْضِيَّةِ. وَقَدْ عَرَفَهْ الفلكيُّونَ الْعَرَبُ قديمًا وكتَبُوا فِيهِ.
المَشْيُ يَأْتِي أحيانًا بِمَعْنَى السَّعْيِ، كما جَاءَ في الآيَةِ الكريمَةِ: "وَامْشُوا في مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ.."
فَلَمّا أُمِرْنا بالحرَكَةِ والسَّعْي، والابتعادِ عَنِ الكَسَلِ والخُمولِ، وَألّا نَرْكَنَ إلَى التَّوَكُّلِ كانَ لزومًا عَلَيْنا أنْ يكونَ سَعْيُنا مُنْضَبِطًا مُصيبًا، نعرُفُ غايَتَنا ومقصَدَنا والهَدَفَ الذي نَسيرُ إلَيْهِ. لَكِنَّ معرفَةَ مُرادِنا لا تَكفي وَحْدَها، فَالْواجِبُ أنْ نَعْرِفَ الطُّرَقَ والأساليبَ والوسائِلَ التي نَسْلُكُها وَنَتَّخِذُها مُعينًا للوصولِ إلَى ما نَسْعَى إلَيْهِ، عَلَيْنا أنْ نَعْرِفَ أسْهَلَ الطُّرُقِ، وَأقْصَرَها وَأسْرَعَها، وَأكثَرَها صِحَّةً وَإتْقانًا وإثْمارًا.
السَّعْيُ الصّائِبُ بِدَأَبٍ ونَشاطٍ وَصِدْقٍ هُوَ مِنْ أُسُسِ التربيَةِ الحدِيثَةِ التي يَجِبُ أنْ يَهْتَمَّ بِهَا التَّعْليمُ الحَدِيثُ، وَأَنْ يَقْتَرِنَ هذا السَّعْيُ الذي تِلْكُمُ صِفَتُهُ مَعَ التَّرْبِيَةِ الْعَقْلِيَّةِ في وَحْدَةٍ لا تَنْفَصِمُ عُراها.
وَمِنَ اللَّهِ التَّوْفيقُ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسراب نحيب... بقلم...عماد عبد الملك الدليمي

✿✿✿✿((لاتيأسْ))✿✿✿✿ بقلم...عدنان الحسيني

رحيل عبر الأثير... بقلم... دنيا اليوسف