بقلم...أ. د. لطفي منصور قِصَّةّ قَصيرةٌ:
بقلم...أ. د. لطفي منصور
قِصَّةّ قَصيرةٌ:
...................
سَأَلَنِي أَحَدُ الْأَصْدِقاءِ: هَلْ لِلْحُبِّ نِهايَةٌ؟
- عَنْ أَيِّ حُبٍّ تَسْأَلُنِي فَالْحُبُّ أَنْواعٌ وَضُرُوبُ.
- أَنا أَعْنِي حُبًّا واحِدًا، عَدِّدْ مِنْ فَضْلِكَ، أَنْواعَ الْحُبِّ حَتَّى أُشِيِرَ لَكَ مِنْ أَيِّها أُعانِي الْمُرَّ.
- حُبُّ الْوَطَنِ ، حُبُّ الْأَهْلِ وَالْأَوْلادِ، حُبُّ الْجَمالِ أَيْنَما هُوَ، حُبُّ الْعِلْمِ، حُبُّ الْعَمَلِ ، حُبُّ الصَّدِيقِ الْوَفِيِّ.
- يَكْفي، يَكْفي يا أُسْتاذُ، لا أَعْنِي شَيْئًا مِنْ هَذٍهِ الْأَصْنافِ.
- بَقِيَ شَيْءٌ واحِدٌ لَمْ أَذْكُرْهُ.
- قُلْ لي ما هُوَ يا صَديقي، لَقَدْ نَفِدَ صَبْرِي، إنِّي أُحِسُّ بِهِ في روحي وَجَسَدِي وَفِكْرِي، لَكِنِّي لا أَعْرِفُ ما يِقالُ لَهُ.
- أَنْتَ عاشِقٌ أَيُّها الْحائِرُ. قُلْ لِي ما قِصَّتُكَ.
- نَعَمْ أنا عاشِقٌ. نَسِيتُ هَذا التَّعْبِيرَ الَّذِي يَصِفُ حالَتِي وَصْفًا دَقيقًا.
عَشِقْتُ طالِبَةً وَأَنا في المَرْحَلَةِ الثّانَوِيَّةِ أكْبُرُها عِدَّةَ سَنَواتٍ، وَبادَلَتْني الشُّعُورَ نَفْسَهُ، وَتَبادَلْنا الرَّسائِلَ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَاتَّفَقْنا عَلى الزَّواجِ بَعْدَ أَنْ تُنْهِيَ الْمَدْرَسَةَ الثّانَوِيَّةَ. واصَلْتُ تَعْليمِي في الْجامِعَةِ، وَتَبِعَتْنِي أَيْضًا، فَازدَدْتُ تَعُلُّقًا بِها، وَكُنْتُ أُساعِدُها في واجِباتِها الدِّراسِيَّةِ. الْتَحَقْتُ بِسِلْكِ الْمُعَلِّمِينَ في الْمَدارِسِ الثّانَوِيَّةِ. وَبَدَأْتُ أَبْني بَيْتَ الزَّوْجِيَّةِ بِمُساعَدَةِ عائِلَتِي، وَأَنْتَظِرُ لِأَطْلُبَ يَدَها مِنْ والِدِها بَعْدَ أنْ تُنْهِيَ دِراسَتَها الْجامِعِيَّةَ.
وَلَمّا تَمَّ ذَلِكَ وَلَيْتَهُ لَمْ يَتِمَّ، تَقَدَّمْتُ لِطَلَبِ يَدِها، فَيا لِهَوْلِ ما حَدَثَ، فاجَأَني والِدُها بِحَقِيبَةٍ سَوْداءَ تَعِجُّ بِرَسائِلِي إلَيْها، كانَ قَدْ عَثَرَ عَلَيْها في خَزانَتِها وَبَيْنَ كُتُبِها، فَرَدَّنِي رَدًّا خائِبًا، وَأَقْسَمَ أَنَّها لَنْ تَكُونَ ابْنَتُهُ حَلِيلَةً لِي حَتَّى لَوْ شارَفَتْ عَلى الْمَوْتِ.
كَانَ الْأَبُ مُتَزَمِّتًا. حاوَلَتِ زَوْجَتُهُ التَّدَخُّلَ لٍتُثْنِيَهُ عَنْ رَأْيِهِ فَانْتَهَرَها وَهَدَّدَها فَصَمَتَتْ، وَحاوَلَهُ إخْوَتُهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُمْ، وَلَمْ تَجْرُؤْ ابْنَتُهُ مُخاطَبَتَهُ، وَاكْتَفَتْ بِالدُّمُوعِ .
لَقَدْ نَزَلَ عَلَيَّ قَرارُ الْأَبِ نُزُولَ الصّاعِقَّةِ، وَقَلَبَ لِي حَياتِي إلى اَسْوَإ حالٍ ، لَمْ أَهْنَأْ بِالْعَيْشِ، وَرَسْمُها لَمْ يَبْرَحْ فِكْرِي، وَلَقدْ خَرَجَ اسْمُها عَلى لِسانِيي ثَلاثّ مَرّاتٍ أَثْناءَ الدُّروسِ. وَشاعَ ذِكْرُنا في المَدِينَةِ.
أمّا هِيَ فَاشْتَغَلَتْ في التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، وَوَجَدَتْ في طالِباتِها مُتَنَفَّسًا خَفَّفَ عَنْها وَقْعَ الصَّدْمَةِ. تَقَدَّمَ لَها خُطّابٌ
كَثيرونَ رَفَضَتْهُمْ جَمِيعًا، وَرَفَضَتِ الزَّواج.
أُقْسِمُ لَكَ صادِقًا أَنَّ طَيْفَها يَزُورُنِي كُلَّ لَيْلَةٍ. أَراها تَقِفُ أَمامي وَتُحَمْلِقُ بِي، ثُمَّ تَخْتَفِي
فَأَصْحُو وَتَنْهَمِلُ دُمُوعِي.
ها هِيَ سَنَواتٌ خَمْسٌ مَرَّتْ عَلَيَّ وَأَنا أُكابِدُ تَباريحَ الْحُبِّ، أُحاوِلُ نِسْيانَها فَأَزْدادُ وَلَعًا بِها.
وَحَدَثَ في غَمْرَةِ الْيَأْسِ وَالْحُزْنِ ، بَيْنَما أنا جالِسٌ في الشُّرْفَةِ أُ فَكِّرُ في مَأْساتي سَمِعْتُ طَرْقًا بِالْبابِ، فَهُرِعْتُ لِفَتْحِهِ فَإذا تِلْمِيذٌ بِالْبابِ ناوَلَنِي ظَرْفًا وَكَرَّ راجِعًا.
أَخَذَ قَلْبي يَخْفِقُ بِشِدَّةٍ لِأَني عَرَفْتُ أَنَّهُ مِنْها.
فَتَحْتُ الظَّرْفَ بِيَدَيْنِ تَرْتَجِفانِ وَأَخْرَجْتُ قُصاصَةً صَغيرَةً كُتِبَ فيها ما يَلِي:
بَعْدَ السَّلامِ
أَقُولُ لَكَ إنِّي عَلَى الْعَهْدِ فَلا تَيْأَسْ. اِسْتَشِرْ الْأُسْتاذَ فُلانَ تَعْنِي أنْتَ، أَنْ يُراجِعَ أَبِي فَهُوَ صَديقُهُ وَذَرِبُ اللِّسانِ ، عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ يُسْرًا.
أنْتَ الْآنَ في الْخامِسَةِ والثََلاثِينَ، وَأَنا تَجاوَزْتُ الثَّلاثِينَ بِقَليلًٍ.
لَمْ أُصَدِّقْ ما قَرَأْتُ فَأَعَدْتُ قِراءَتَهُ مَرّاتٍ. إنَّهُ خَطُّها الَّذِي أعْرِفُهُ.
ماذا تَقُولُ يا صَديقي؟
- تَأَمَّلْ خَيْرًا سَأُكَلِّمُهُ وَاللَّهُ الْمُسَهِّلُ.
وَفي الْيَوْمِ التّالي تَوَجَّهْتُ إلى صَديقي والِدِ الْبِنْتِ فَداوَرْتُهُ وَداوَرَنِي، وقَالَ لي: لَوْ كُنْتَ مكاني هَلْ تُزَوِّجُهُ ابْنَتَكَ. قُلْتُ لَهُ نَعَمْ. وَفي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ.
- وَماذا مَعَ الرَّسائِلِ والْفَضائِح.
- إنَّهُ طَيْشُ الصِّبْيَةِ لَقَدْ أَخَذُوا دَرْسًا قاسِيًا.
- وَماذا مَعَ الْيَمِينٍ ؟
- صُمْ ثَلاثَََةَ أَيّامٍ وَاسْتَغْفِرْ رَبَكَ إنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
- بَارَكَ اللُّهُ بِكَ يا صَدِيقي عَلى هذا الْجُهْدِ الَّذِي بَذَلْتَهُ لِإصْلاحِ ذاتِ الْبَيْنِ .
وَكانَتْ فَرْحَةً لَمْ يَسَعْها الْكَوْنُ.
تعليقات
إرسال تعليق