بقلم... أ.د. لطفي منصور صَفْحَةٌ مِنْ أَخْبارِ البرامكةِ وَكَرَمِهِم:

بقلم... أ.د. لطفي منصور

صَفْحَةٌ مِنْ أَخْبارِ البرامكةِ وَكَرَمِهِم:
......................
أَبُو الْعَبّاسِ الْفَضْلُ بنُ يَحْيَى بنِ خالِدِ بنِ بَرْمَكَ الْبَرْمَكِيُّ:
كانَ أكْثَرَ الْبَرامِكَةِ كَرَمًا، مَعَ أَنَّ البَرامِكَةَ كُلَّهم كُرَماءُ، وفاقَ جَعْفَرًا أخاه في الْجُودِ. قَلَّدَهُ الرَّشيدُ عَمَلَ خراسانَ، أيْ عامِلًا عَلَى الصَّدَقات.
وَلَمَّا قَتَلَ الرَّشيدُ جَعْفَرًا في نْكْبَةِ البرامِكَةِ المَشْهورَةِ، قَبَضَ عَلَى أبيهِ يَحْيَى الْبَرمَكيِّ، وَأَخيهِ الْفَضلِ المَذكورِ، وَحُبِسا، ثُمَّ أرْسَلَ الرَّشيدُ مَسْرورًا الْخادِمَ، فَأَخْرَجَ الْفَضْلَ مِنَ السِّجْنِ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَمْوالِهِمْ، فَأَجابَ جَوابًا لَمْ يُرْضِهِ، فَضَرَبَهُ مِائَتَيْ سَوْطٍ، وَتَوَلَّى ضَرْبَهُ الْخَدَمُ، فَضَرَبُوهُ أَشَدَّ الضَّرْبِ، حَتّى كادوُا يُتْلِفوهُ، وَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا، وَكانَ هُناكَ رَجُلٌ نَصْرانِيٌّ لِلْعِلاجِ، فَعالَجَهُ وَبَرِئَ، فَاقْتَرَضَ الْفَضْلُ مِنْ بَعْضِ أَصْحابِهِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَأَرْسَلَها لَهُ، فَرَدَّها الْمُداوِي، فَظَنَّ الْفَضْلُ أَنَّهُ اسْتَقَلَّها، فاقتَرَضَ الفَضْلُ مِثْلَها وسَيَّرَها لَهُ فَرَفَضَها الطبيبُ وقالَ:
ما كُنْتُ لِآخُذَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْكِرامِ أَجْرًا، واللَّهِ لَوْ كانَتْ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينارٍ ما أَخَذْتُها.
فَلَمّا بَلَغَ الْفَضْلَ ذَلِكَ قالَ: إنَّ الَّذِي فَعَلَهُ هذا أَبْلَغُ مِمّا فَعَلٍناهُ طِيلَةَ أيّامِنا. وَقَدْ بَلَغَهُ أنَّ الْمُعالِجَ قَدْ كانَ في فاقَةٍ شَديدَةٍ.
وَمِنَ الَّذينَ مَدَحُوا البَرامِكَةَ مِنَ الشُّعَراءِ المُبْدِعينَ مَرْوانُ بنُ أبي حَفْصَةَ فقالَ: مِنَ الكامِلِ
عِنْدَ الْمُلوكِ مَنافِعٌ وَمَضَرَّةٌ
وَأرَى الْبَرامِكَ لا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ
إنَّ الْعُروقَ إذا اسْتَسَرَّ بِها النَّدَى
أَشِبَ النَّباتُ بِها وَطابَ الْمَزْرَعُ
إنْ كانَ شَرٌّ كانَ غَيْرُهُمُ لَهُ
وَالْخَيْرُ مَنْسُوبٌ إلَيْهمْ أجْمَعُ
وَإذا جَهِلْتَ مِنِ امْرِئٍ أخْلاقَهُ
وَطِباعَهُ فانْظُرْ إلَى ما يَصْنَعُ
وماتَ الفَضْلُ في سِجْنِ الرَّشيدِ سَنَةَ ١٩٣هج.
إنَّ نَكْبَةَ البرامِكَةِ وَصْمَةُ عارٍ في جَبينِ الرَّشيدِ، لَقَدْ أسْلَمُوا وَحَسُنَ إسْلامُهم، لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ زَندَقَةٌ ولا مجوسِيَّةٌ وَلا رِدَّةٌ، لَقَدْ ظُلِموا ودِماؤُهم
في ذِمَّةِ الرَّشيدِ.
——-
للزِّيادةِ يُنْظر كتاب “التَّاريخُ الْمُعْتَبَر في أخبارِ مَنْ غَبَر” ٣: ١٠٤.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسراب نحيب... بقلم...عماد عبد الملك الدليمي

✿✿✿✿((لاتيأسْ))✿✿✿✿ بقلم...عدنان الحسيني

رحيل عبر الأثير... بقلم... دنيا اليوسف