بقلم...أ.د. لطفي منصور وَقْفَةٌ عِنْدَ الآيَةِ الكريمَةِ (٢١٦) من سورةِ “البقرة”
بقلم...أ.د. لطفي منصور
وَقْفَةٌ عِنْدَ الآيَةِ الكريمَةِ (٢١٦) من سورةِ “البقرة”
.........................
(وَعَسَى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهوَ خَيْرٌ لَكُم، وَعَسَى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُِ وَأَنْنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)
إنَّها قاعِدَةٌ إلَهِيَّةٌ، وَحُكْمٌ رَبّانِيٌّ، أصْبَحا نَهْجًا أخْلاقِيًّا لِلنّاسِ كافَّةً، فيهِ تَقَرُّ الْعَيْنُ، وَيَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ، وَسَكينَةٌ لِلنَّفْسِ وَالْمَشاعِرِ، وَتَعْزِيَةٌ لِمَنْ أصابَهُ كَرْبٌ وَقَعَ فِيهِ، فَيَرْضَى بِحُكْمِ اللِّهِ وقضائِهِ.
وَاعْلَمُوا أنًّ الْحُبَّ والْكُرُهَ مَرَدَّهْما لِلْعاطِفَةِ التي تَتَحَكَّمُ بِهِما النَّفْسُ البَشَرِيَّةُ التي إذا لمْ يَعْقِلُها الْعَقْلُ، صاخَتْ بِصاحِبِها، لِأَنَّها أَمَّارَةٌ بالسُّوٍءِ فَتودي بِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، ولا تَرْحَمُهُ.
لَيْسَ كًلُّ حُبٍّ سَعادَةً. لا يكونُ الْحُبُّ صَفاءً إذا كانَ يَقُومُ عَلَى الأَنانِيَّةِ، وَالمَصْلَحَةِ الآنِيَّةِ المادِّيَّةِ. لِتَحقيقِ غايَةٍ عِنْدَ أَحَدِ الْحِبَّيْنِ. هَدَفٌ يَأْكُلُ قَلْبَ وَتَهْتَرِئُ حَناياهُ لِلْوُصولِ إلَيْهِ؛ تماما كما يَقولُ الُمَثَلُ الشَّعْبِيُّ: “مَكَّنَتْ حتّى تَمَكَّنَتْ”.
هَذا لَيْسَ حُبًّا، فَقَدْ وَصَفَهُ ابْنُ حَزْمٍ الأنْدَلُسِيُّ في كتابِهِ “طَوْقُ الحمامَةِ” بِالْمَصْيَدَةِ أوِ الْفَخِّ” الذي يَقَعُ فيهِ الغافِلُ السّاذِجُ.
اِخْتِِصارًا أقولُ هذا حُبٌّ نَتيجَتُهُ شَرٌّ كَقَوْلِهِ تَعالَى.
لكنْ لِماذا يَقَعُ فيه الرَّجُلُ؟
حَقيقَةٌ أنَّ كُلَّ رَجُلٍ فيهِ شَيْءٌ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالْهَبَلِ والسَّذاجَةِ، بِالرَّغْمِ مِنْ رُجولَتِهِ، فهذا عَنْتَرَةُ بنُ شَدّادٍ فارِسُ الْعَرَبِ كانَ يَنْحَنِي خُضوعًا لِعَبْلَةَ وَيَقولُ: من الكامِل
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّماحُ نَواهِلٌ
وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي
فَوَدِدْتُ تَقْبِيلَ السُّيوفِ لِأَنَّها
لَمَعَتْ كَبارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِّمِ
ونحنُ نَعْرِفُ أنَّ عَبْلَةَ كادَتْ تُزَفُّ لِأحَدِ الأغنياءِ مُقابِلَ مَهْرِ مُغْرٍ.
فَفي ساحَةِ الْوَغَى والرُّؤوسُ تَتَطايّرُ تُذْكَرُ الْمَرْأَةُ.
وهذا المُتَنَبِّي الشّاعِرُ الفارِسُ الْعَرَبِيُّ الأَبِيّ يَقُولُ: من البسيط
أَفْدِي ظِباءَ فَلاةٍ ما عَرَفْنَ بِهَا
مَضْغَ الْكَلامِ وَلا صَبْغَ الْحَواجِيبِ
وقالَ أيْضًا: من البسيط
وَكانَ أَفْضَلُ مِنُ سَيْفي مُعانَقَةً
أَشْباهُ رَوْنَقِهِ البِيضُ الأَمالِيدُ
فهوَ يَعْشَقُ النِّساءَ وَيَفْديهِنَّ بِنَفْسِهِ، وَيُفَضِّلُ مُعانَقَةَ الْحَسْناواتِ عَلَى عِناقِ سَيْفِهِ الذي هوَ ما يُبْقِيهِ حَيًّا.
فَالرَّجُلُ مُنْجَذِبٌ بِطَبيعَتِهِ إلَى الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ نِصْفَهُ امْرَأَةٌ، وكذلكَ المَرْأَةُ نِصْفُها رَجُلٌ. فَالرَّجُلُ هوَ السّالِبُ الْمُتَحَرِّكُ، والْمَرْأَةُ هيَ الْمُوجَبُ السّاكِنُُ. وهناكَ شُذوذٌ، فبعضُ النساءِ يَحْلُقْنَ الذَّقْنَ كالرِّجالِ، لِغَلَبَةِ الْخَلايا الذُّكورِيَّةِ. وهذا يُمْكِنُ أنْ يُفَسِّرَ ظاهرتيِ السِّحاقِ واللّواطِ عندَ الشَّواذِّ.
النَّفْسُ كَما تُحِبُّ تَكْرَهْ. تقولُ لنا الآيَةُ الْكَرِيمَةُ إنَّ كَراهِيَةَ الأشياءِ الْمُهِمَّةِ التي لا بُدَّ مِنْها خَطَأٌ فادِحٌ، كالقِتالِ دِفاعًا عَنِ الْوَطَنِ. والخيْرُ فيهِ هوَ الانتصارُ وحِمايَةُ الْوَطَنِ. قالَ الشَّاعِرُ: من الطَّويل
إذا لَمْ يَكُنْ إلّا الأسِنَّةَ مَرْكَبٌ
فَما حِيلَةُ الْمْضْطَرُّ إلّا رُكُوبُها
وَعَسَى في الموقِعَيْنِ لِلتَّحْقيق لا للتَّشْكيكِ، وَهِيَ من أفعالِ الْمُقارَبَةِ، لِأنَّ القائِلَ هوَ اللَّهُ ُ الذي يَعْلَمُ السَّرَّ وما يَخْفَى، واسْمُها في الموْقِعَيُنِ المصْدَرُ المُؤَوَّلُ مِنْ أنْ والفِعْلِ، وتَقْديرْهُ في الْقِسْمِ الأوَّلِ مِنَ الآيَةِ كُرْهُكُمْ، وَتَقْديرُهُ في القِسْمِ الثَاني حُبُّكُم.
وَإعْرابُ شَيْئًا في الموقِعَيْنِ مَفْعُولًا بِهِ لِلْمَصْدَرِ.
انتهى
تعليقات
إرسال تعليق