بقلم...أ.د. لطفي منصور المرأة العربيّةُ والأصالة:
بقلم...أ.د. لطفي منصور
المرأة العربيّةُ والأصالة:
.....................
من خصال المرأةِ العربية أصالتُها التي ذكرَها الأُدباءُ في كتبِ النساء التي ألفوها في وصفٍِّهنّ، ككتاب "أدب النساء" لعبد الملك بن حبيب ، وكتاب "نساء الخلفاء" لابن الساعي. هذا بالإضافة إلى فصولٍ احتلَّتْ مساحاتٍ واسعة في أخبار النساء في الموسّعات الأدبيّة مثل "نثر الدرٌ " للآبي، والعقد الفريد لابن عبد رَبِّه، وعيون الأخبار لابن قتيبة وغيرها كثير. وهو جانير أدبي تعتزّ به العربيّة وقلّ مثيلُها في الآداب الأخرى. ومن أخلاقيّات المراةِ أصالتُها وانتِماؤها لقومها ووطنها وشعبِها، حتى لو ابتعدت - في الزواج مثلًا - عنهم ، تبقى برباطٍ وثيقٍ معهم.
فهي كالفرسِ الأصيلَةِ التي لا تفارقُ فارِسَها، حتى لو سقط على الجُدالة (الأرض)، تبقى تصهلُ فوق رَأْسِه كما جَاءَ في كتب الخيلِ وأنسابِها.
ومن الخِلال التي اتصفت فيها المرأةُ عند العرب صَبرُها على نوائِبِ الدهر، كالفقرِ وقلٌة إمكانيات الزوج، وفقدان الحاجات الضرورية والمكاره وغيرها.
المرأة العربيةُ لا تشكو وَضْعَها لِأحَدٍ من البشر، وإنما للهِ لا غير. وقد عبّرَ عن هذا أميرُ الشعراء فأحسنَ حينَ قَالَ على لسان ليلى في مسرحيّته:
نَحْنُ الْحَرائِرَ إِنْ مالَ الزمانُ بِنَا
لم نَشْكُ إِلَّا إلى الرحمانِ بلوانا
وقد فرقت العربُ في النسبِ بينَ الْهُجنَةِ والْإقْراف. إذا كانت الأمُّ عربيٌَةً والأبُ عَجميًّا كانت الولادةُ إقْرافًا. وإذا كانَ الأبُ عربيًّا والأمُّ عَجَمِيَّةً سُميتِ الولادةُ هُجْنَةً والمولودُ هجينًاً.
وخيرُ مثالً على هذا قِصَّةُ هِنْدٍ الفزاريَّة مع الحجَّاجِ زوجها، وكان يُسيئُ إليها، فطلبت الطلاقَ منه، واقتنع القاضي بحُجَّتِها وفرّقَ بينهما القاضي، ثم تزوجها عبد الملك بن مروان.
فقال أحدُ الشعراءِ يهجو الحجاجَ ويمدح هندًا:
(من الطويل)
وهلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ
سَليلَةُ أفْراسٍ تَبَطَّنَها بَغْلُ
فَإِنْ وَلَدَتْ مُهْرًا فَذلكَ بِالْحَرَى
وَإِنْ يَكُ إقْرافٌ فما أنجبَ النغلُ
ويقال إنَّ سببَ الخلاف بين هند والحجاج بعد أن نَفِدَ صبرُها على غِلْظَته وقساوته أنّها عيّرته بهزيمته أمامَ شبيبٍ الخارجيِّ فقالت له: (من الكامل)
أسَدٌ عَلَيَّ وفِي الْحُروبِ نعامَةٌ
خَرْقاءُ تَجْفُلُ مِنْ صَفيرِ الصّافِرِ
هَلّا بَرَزْتَ إلَى غَزالَةَ في الْوَغَى
بَلْ كانَ قَلْبُكَ بَيْنَ جَناحَيْ طائِرِ
صَدَعَتْ غَزالةُ قَلْبَهُ بِفَوارِسٍ
تَرَكَتْ مَنابِرَهُ كَأَمْسِ الدّابِرِ
——-
غزالة الحروريّة: قائِدَة الفِرْقَة الحروريَّة الخارجِيَّة، نسبةً لحروراءَ، وهي موقعة بَيْنَ شيعَةِ سيِّدِنا عليٍّ الخليفةِ وبينَ للخوارج انهزمَت فيها للخوارج.
دَخَلَتْ غزالا الكوفةَ بفوارِسِها على الحجّاجِ، فانهزمَ أمامَها، والتجَأَ إلى حِصْنٍ احتمَى فيه، فعيَّرَ الشّاعِرُ الخارجي عمران بنُ حِطّان الحجّاجَ بهذهِ الأبياتِ، ثمّ تلقَّفتها هِنْدٌ الفزارِيَّةُ زوجُ الحجَّاج وعيَّرَتْهُ بها.
تعليقات
إرسال تعليق