بقلم... أ.د. لطفي منصور ... شَيْءٌ مِنْ أخْبارِ شِهابِ الدِّينِ السَّهْرَوَرْدِي:
بقلم... أ.د. لطفي منصور
شَيْءٌ مِنْ أخْبارِ شِهابِ الدِّينِ السَّهْرَوَرْدِي:
..........
هُوَ يَحْيَى بْنُ حَبَشَ بْنِ أَمِيرَك(تَصْغيرُ أَمِيرٍ بالفارسِيَّةِ، والكافُ عَلامَةُ التَّصْغير عِنْدَهْم). هُوَ مِنْ صُوفِيَّةِ الِاتِّحادِ، أيِ الْحُلولِ الَّذِينَ يَعْتَقِدونَ أنَّ روحَ اللَّهِ حَلَّتْ وَاتَّحَدَتْ بِهِم كالْحَلَّاجِ وَالبُسْطامِي.
كانَ مَصيرُ السَّهْرَوَرْ دِي كَمَصيرِ الْحَلّاجِ: القَتْلُ وَالصَّلْبُ، بِأمْرٍ مِنْ صَلاحِ الدِّينِ في قلْعَةِ حَلَبَ، في سَنَةِ (٥٨٧هج) ، بعدَ أنْ ثَبَتَ أَنَّهُ لا يُؤمِنُ بِالْعَقائِدِ، وَعُمْرُه ثمانٍ وَثَلاثُونَ سَنَةً.
كانَ السَّهْرَوَرْدي عَلَى جانِبٍ عَظيمٍ مِنَ الذَّكاء، وَبَرَزَ بِالْحِكْمَةِ والفِقْهِ والطِّبِّ، وكانَ ماهِرًا بِعِلْمِ السِّيمْياءِ (قِمَّةِ السِّحْرِ)، وَرُوِيَتْ عَنْهُ أعْمالٌ عجيبَةٌ لا مجالَ لِذِكْرِها هُنا لِكَثرَتِها، لَكِنِّ أُحِيلُ القارِئَ إلَى تَراجِمِهِ في المصادِرِ الآتيةِ:
- وَفياتُ الأعيان لابن خَلِّكان 6:269
- مسالك الأبصار لابن فَضْلِ اللَّهِ العُمَري: 215 (مكتبة الثَّقافة الدينيَّة.
- معجم الأُدَباء لياقوت الحمَوي 19:314.
- طبَقاتُ الأطِبّاء لابْنِأبي أُصَيْبِعَةَ 2:167.
لا شَكَّ أنَّ ما كانَ يَجْرَي عَلَى لِسانِ السَّهْرَوَرْدي هُوَ ما يُسَمَّى بِالشَّطَحاتِ الصُّوفِيَّة، تَمامًا كَما قالَ الحَلّاج وَقُتِلَ بِسَبَبِها: “أَنا الْحَقُّ”، “سُبْحاني ما أَعْظَمَ شَأْنِي”. فَإذا بَلَغُوا في الرِّياضَةِ الرُّوحِيَّةِ وَصَلُوا مَرْتَبَةَ الِاتَِحادِ. عِنْدَئِذٍ تَصْدُرُ عَنْهُم مِثْلُ هَذِهِ الأقْوال لَيْسَ مِنْ إرادَتِهِم.
قامَ الْمُسْتَشْرِقُ الْكَبيرُ موسنيون بِمُراجعَةِ مُحاكَمَةِ الْحَلَّاجِ ، وَدَرَسَ حَياةَ القُضاةِ الأرْبَعَةِ الَّذينَ أَحَلُّوا دَمَهُ، فَوَجَدَ أنَّ الدّافِعَ لِإدانَتِهِ لا يَكُنْ خَوْفًا عَلَى الدِّين، وَإنَّما الْحَسَدُ وَالْمَصالِحِ الخاصَّةِ. (تَرْجَمَةُ الحلّاج في دائِرَةِ الْمَعارِفِ الإسْلامِيَّةِ الْمُتَرْجَمَةِ، مادَّة: الْحَلّاج).
كانَ السَّهْرَ وَرْدي شاعِرًا مَطْبوعًا، نَظَمَ شِعْرًا في الْعِشْقِ الإلَهي. وَرَأَيْتُ أنْ أخْتَتِمَ هَذِهِ الكلِمَةَ بِذِكْرِ أَبياتٍ لَهُ مِنَ الْغَزَلِ الصُّوفي الرَّقيقِ: مِنَ الكامِلِ
- أَبَدًا تَحِنُّ إلَيْكُمُ الارْواحُ
وَوِصالُكُمُ رَيْحانُها وَالرّاحُ
- وَقُلوبُ أَهْلِ وَدادِكُمْ تَشْتاقُكُمْ
وَإلَى لَذيذِ لِقائِكُم تَرْتاحُ
- يا رَحْمَةً لِلْعاشِقينَ تَكَلَّفُوا
سَتْرَ الْمَحَبَّةِ وَالْهَوَى فَضّاحُ
- بِالسِّرِّ إنْ باحُوا تُباحُ دِماؤُهُمْ
وَكَذا دِماءُ الْبائِحينَ تُباحُ
- إذا هُمُو كَتَمُوا تَحَدَّثَ عَنْهُمُ
عِنْدَ الْوُشاةِ الْمَدْمَعُ السَّفّاحُ
- وَبَدَتْ شَواهِدُ لِلسَّقامِ عَلَيْهِمُ
فيها لِمُشْكِلِ أَمْرِهِمْ إِيضاحُ
- خَفْضُ الْجَناحِ لَكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمُ
لِلصَّبِّ في خَفْضِ الْجَناحِ جُناحُ
-فَإلَى لِقاكُمُ نَفْسُهُ مُرْتاحَةٌ
وَإِلَى رِضاكُمُ طَرْفُهُ طَمّاحُ
- عُودُوا بِنُورِ الْوَصْلِ مِنْ عَسَقِ الْجَفا
فَالْهَجْرُ لَيْلٌ وَالْوِصالُ صَباحُ
- - صافاهُمُ فَصَفَوْا لَهُ قُلوبَهُمْ
في نُورِها الْمِشْكاةُ وَالْمِصْباحُ
———
اُنْظُروا إلَى هذا الشِّعْرِ الرَّاقي الذي وَرَّى فيهِ الشَّاعِرُ عَنِ الحَضْرَةِ الإلَهِيَّةِ كم هو سَلِسٌ عَذْبُ الأَلْفاظِ، سَهْلَةُ الْمَعاني، لا تَحْتاجُ إلَى شَرْحٍ لمَعانيها.
تعليقات
إرسال تعليق