بقلم... أ. د. لطفي منصور السَّلامُ: مَفْهومُهُ وَطَبيعَتُهُ وَمَرْدُودُهُ:
بقلم... أ. د. لطفي منصور
السَّلامُ: مَفْهومُهُ وَطَبيعَتُهُ وَمَرْدُودُهُ:
...............
لا يُمْكِنُ فَهْمُ مُصْطَلَحِ السَّلام إلّا بِفَهْمِ ضِدِّهِ، وَهِيَ الْحَرْبُ، نُزُولًاعِنْدالقاعِدةِ القائِلَة: “بِأَضْدادِها تُعْرَفُ الأَشْياءُ”.
السَّلامُ هو اسمٌ مِنْ أَسْماءِ اللَّهِ تَعالَى. وَمَعْناهُ أنَّهُ هوَ اللَّهُ الذي يَهَبُ السِّلْمَ والسَّلامَةَ والأمْنَ والطُّمَأْنينَةَ لِمَخْلُوقاتِهِ وخاصَّةً الإنْسانَ. والسَّلامُ مُشْتَقٌّ مِنَ الجَذْرِ “سَلِمَ”. وَهُوَ كَلِمَةٌ مُشْتَرَكَةٌ في اللُّغاتِ السّامِيَّةِ بالْمَعْنَى نَفْسِهِ. وَقَدْ ذُكِرَتْ الكَلِمَةُ وَمُشْتَقّاتُها الواسِعَةُ في القُرْآنِ الكريمِ، وفيها حَثٌّ عَلَى اتِّباعِ السِّلْمِ. وَمِنْ ذَلِكَ:
“وَلا تَقولوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا”، وَ”لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهم”، وَ”تَحِيَّتُهُمْ فيها سَلام”، “واللهُ يَدْعُو إلَى دارِ السَّلامِ”، سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحيم”. وغيرُ ذَلِكَ كثير.
شَيْءٌ طَبيعِيٌّ أنْ تَعيشَ الأُمَمُ والشُّعُوبُ بِسَلامٍ وَوِئامٍ وَتَعارُفٍ (وَخَلَقٍناكُمْ شُعوبًا وَقَبائٍلَ لِتَعارَفُوا) أيْ لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَيُحِبَّ أحَدُكُمُ الآخَرَ وَيَحْتَرِمَهُ وَيَتَعاوَنَ مَعَهُ في أمورِ الحياةِ، فَتَسْهُلَ المَعيشَةُ.
لكنْ مِنْ طبيعَةِ الإنسان الحيوانيَّةِ جُبُّ السَّيْطَرَةِ عَلَى الآخَرين، والجشَعُ وامتلاكُ ما عِنْدَهُم وَضَمُّهُ إلَى ما عِنْدَهُ، فَتَنْشَأُ الخصوماتُ بَيْنَ الأمَمِ، وَيشتَدُّ بينَها التّنافُسُ فَتَنْشِبُ الحروبُ، وَيَسْتَحِرُّ الْقَتْلُ والدَّمارُ والخرابُ إلَى أنْ يَهِنَ أحَدُ المعسكريْنِ ، فيسْتَسْلِمَ لِلْغالِبِ القَوِيِّ الذي يُمْلِيِ شُروطَهُ عَلَى الضَّعيفِ، وَتُعْقَدُ راياتُ السَّلامُ بَيْنَ الْفَريقَيْنِ.
السَّلامُ لا يُعْقَدُ إلّا بَيْنَ الأعْداءِ. وَقَدْ عَقَدَ النَّبِيُّ (ص) اتِّفاقِيَّةَ صُلْحٍ أو سلامٍ مَعَ مَكَّةَ، سَنَة سِتٍّ للهجرةِ المُسَمَّى صُلْحَ الحدَيْبِيَةِ، مُدَّتُهُ عَشْرُ ستواتٍ، إلّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إلّا سنَتَيْنِ، فَقَدْ خَرَقَ حُلَفاءُ مكّةَ الاتِّفاقَ، وكانَ نتيجَةَ ذَلِكَ فَتْحُ مَكَّةَ وَإسْلامُها.
أمّا الحَرْبُ فَهِيَ صِنْوُ الدَّمارِ والخرابٍ، والقَتْلِ والْمَجازِرِ، والأمْراضِ. وَقَدْ وَصَفَها أبو تمّامٍ بِقَوْلِهِ: مِنَ البَسيط
-لَمّا رَأَى الْحَرْبَ رَأْيَ الْعَيْنِ توفِلْسٌ
وَالْحَرْبُ مُشْتَقَّةُ الْمَعْنَى مِنَ الْحَرَبِ
الْحَرَبُ تَجْمَعُ كُلَّ مَعانِي الحَرْبِ التي ذُكِرَتْ.
جاءَ في القُرْآنِ: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ”. فالقِتالُ مكروهُ ولكِنَّ المُسْلِمينَ أُجْبِروا عليهِ في بَدْرٍ وأُحُدٍ والخَنْدَقِ، عِنْدَما هاجَمَهُمُ المُشْرِكُونَ، فَأصْبَحَ مَشْروعًا لِأنَّهُ دِفاعٌ عَنِ النَّفْسِ. قال الشّاعِرُ: مِنَ الطَّويل
-إذا لَمْ يَكُنْ إلّا الأَسِنَّةَ مَرْكَبٌ
فَما حِيلَةُ الْمُضْطَرِّ إلّا رُكُوبُها
وفي آيَةٍ أُخْرَى مِنَ القُرْآن تَصِفُ اضطِرارَ المُؤْمِنينَ لِلْقِتالِ:
“أُذِنَ لِلَّذينَ يُقاتَلونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”.
فالْحَرْبُ كانَتْ مَكْروهَةً عندَ العَرَبِ، كانوا يُفَضِّلونَ السَّلامَ عَلَيْها. يقول زُهَيْرُ بنُ أبي سُلْمَى وهو شاعِرٌ جاهِلِيّْ في وَصْفِ الْحَرْبِ والتَّحْذِيرِ مِنْها: من الطَّويل
- فَما الْحَرْبُ إلَّا ما عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُ
وَما هُوَ عَنْها بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ
- مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً
وَتَضْرَ إذا ضَرَّيْتُموها فَتَضْرَمِ
- فَتَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحى بِثِفالِهَا
وتَلْقَحْ كِشافًا ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ
(الحديثُ المُرَجَّمُ: الكاذِبُ لِأنَّهُ يعتمدُ على التّّرجيم وهو الظَّنُّ، تَضُرَى النّار: زادَ لهيبُها؛ تعرُكُكُم: تطحنُكم؛ الثِّفالُ ما يوضَعُ تَحْتَ الرَّحَى ليتساقط عليه الطَّحين، وهذا تَشْبيهُ التَّمْثيل. وفي الشَّطْرِ السّادس تشبيهُ الحرْبِ وقُوَّتِها بالحيوانات المتكاثِرَةِ بِالإخصاب)
وقالَ امْرُؤُ الفيس يَصِفُ قُبْحَ الْحَرْبِ: من الكامل
- الْحَرْبُ أَوَّلُ ما تَكونُ فَتِيَّةً
تَسْعَى بِزِينَتِها لِكُلِّ جَهُولِ
- حَتَّى إذا اسْتَعَرَتْ وَشَبَّ ضِرامِها
عادَتْ عَجوزًا غَيْرَ ذاتِ حَلِيلِ
- شَمْطاءَ جَزَّتْ رَأْسَها وَتَنَكَّرَتْ
مَكْروهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
فالسَّلامُ خَيْرُ، والْحَرْبُ وَيْلٌ، وَهِيَ شَرٌّ لا بُدَّ مِنْه أحيانا في حالات مَصيريَّة هي:
- الدِّفاعُ عَنِ الوَطَنِ إذا هوجمَ.
- دحْرُ الاحتلالِ والاستِعمارِ.
- الدِّفاعُ عَنِ العقيدَةِ الدِّينيَّةِ.
- الدِّفاعُ عَنِ الأرْضِ وَالْعِرْضِ إذا انْتُهِكا.
السَّلامُ لَيْسَ الاستسلامَ وإنَّما بجانِبِ حَقْنِ الدِّماءِ الاعترافُ بحقوقِ الآخرِ بِالسِّيادَة، وَحُرِّيَّةِ القرار.
التطبيعُ لَيْسَ سَلامًا وَإِنَّما خُضوعٌ واستسلامٌ أمْلَتْهُ السِّياسَةُ الأمريكيَّةُ لِحاجَةٍ في نَفْسِ يَعقوبَ، تخدُمُ مصلَحَةًا خاصَّة. السَّلامُ يُقَرِّرُهُ الشَّعْبُ وليسَ الحُكّامُ الذينَ لا يُمَثَّلونَ شعوبَهم.
العلاقَةُ بَيْنَ الدُّولِ لا تَتَعَدَّى ثَلاثَ حالاتٍ:
- سلام شامل وعادِل بَيْنَ الدولتينِ وشَعْبَيْهِما، يضمن حقَّ الجميع في السِّيادَةِ، واتِّخاذِ القرار.
- حَرْبٌ دائِمَةٌ بَيْنَ الدَّولتين والشَّعْبَينِ.
- لا حَرْبٌ ولا سَلام كالوضعِ السّائِدِ في مُعْظَمِ دُوَلِ الشَّرْقِ الأوسطِ.
تعليقات
إرسال تعليق