بقلم...أ. د. لطفي منصور لا شَيْءَ يَفوقُ الآدابَ:
بقلم...أ. د. لطفي منصور
لا شَيْءَ يَفوقُ الآدابَ:
.........................
قَالَ أبو حاتَمٍ السَّجِسْتانيُّ (ت ٢٥٠هج) اسْمُهُ سَهْلُ بنُ محمَّدٍ، فارسِيُّ الأَصلِ، سَكَنَ البَصْرَةَ، وأخذَ عنْ عُلَمائِها، كابنِ دُرَيْد الْأَزْدِي صاحبِ كتابَيِ الاشْتِقاقِ وَجَمْهَرَةِ اللُّغَة وغيرِهما، ومُحَمَّدِ ابنِ يَزيدَ الْمُبَرِّدِ صاحبِ كتابِ الْكامِلِ في الأدَبِ، وأبي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ المثنَّى صاحبِ النقائضِ بَيْنَ جَريرٍ والفرَزْدَقِ، وأيّامِ العَرَبِ، وابنِ قُتَيْبَةَ صاحِبِ التَّآليفَ منها أدبُ الكاتب، والشِّعرُ والشُّعراءُ، والمعارِفُ وَغَيْرُها.
كانَ السِّجِسْتانِيُّ شاعِرًا وعالمًا في اللُّغَةِ، لهُ منَ الكتبِ اختِلافُ المصاحفِِ، وإعرابُ القرآن، والْمُعَمَّرِينَ وَالْأَخِيرُ تراجِمُ لِأُدباءَ وعُلَماءَ تجاوزوا في العُمْرِ الْمِائَةَ سَنَةٍ، وهو كتابٌ قَلَّ مثيلُهُ، ويكادُ أنْ يكونَ مفقودًا، لكِنِّي أحتفظُ بِنُسْخةٍ منه في مكتبَتي.
اخترتُ لكم من شِعْرِ أبي حاتَمٍ السِّجِسْتانِيِّ أبياتًا في فَضْلِ الأَدَبِ (المصدر : معجم الأُدباء، المعروف بِإرْشادِ الأريب لياقوت الحموي ١: ٧١.
يَقُولُ السِّجِسْتانيُّ من الكاملِ:
- إِنَّ الْجَواهِرَ دُرَّها وَنُضارَها
هُنَّ الْفِداءُ لِجَوْهَرِ الآدابِ
(دُرَّها: بَدَلٌ من الجواهرِ، وهو بدلُ اشتمالٍ، النُّضار: الفضَّةُ والذَّهَبُ، وَغَلَبَ عَلَى الذَّهَبِ)
- فَإِذَا اكْتَنَزْتَ أَوِ ادَّخَرْتَ ذَخِيرَةً
تَسْمُو بِزِينَتِها عَلَى الأَصْحابِ
- فَعَلَيْكَ بِالْأَدَبِ الْمُزَيِّنِ أَهْلَهُ
كَيْما تَفوزَ بِبَهْجَةٍ وَثَوابِ
(عليكَ: اسمُ فِعْلٍ لِلْأَمْرِ، معناهُ اِلْزَم. أهْلَهُ مفعولٌ بِهِ منصوبٌ بِاسْمِ الْفاعِلِ المُزَيِّنِ المعَرَّفِ)
- فَلَرُبَّ ذِي مالٍ تَراهُ مُبْعَدًا
كَالْكَلْبِ يَنْبَحُ مِنْ وَراءِ حِجابِ
(ذو: كلمةٌ معناها صاحِبٌ، لا تَكُونُ إِلَّا مضافَةً إلى اسمٍ ظاهِرٍ: ذو عِلْمٌ بالرَّفعِ، ذَا عِِلمٍ بالنَّصْبِ، وَ ذِي عِلْمٍ بالْجَرِّ. تُثَنِّي على ذَوَِا عَدْلٍ، وتجمع ذَوُو عدلٍ وتُؤَنّث على ذاتُ، وتُثَنّى ذاتا بالرَفع، وذاتَيْ بالنَّصْبِ والْجَرِّ، وتجمعُ عَلَى ذَوات. فافْهَمْهُ).
- وَتَرَى الأَدِيبَ إِنْ دَهَتْهُ خَصاصَةٌ
لا يُسْتَخَفُّ بِهِ لَدَى الأتْرابِ
(دَهَتْهُ: أصابَتْهُ، الخصاصَةٌ: الْحاجَةُ، وَهيَ مُثَلَّثَةُ الْخاءِ، والأتْرابُ جَمْعُ التِّرْبِ وهو ما كانَ في سِنِّكَ. وفِي القرآنِ (عُرُبًا أَتْرابًا) يقصِدُ الحوارِيَّ.
————
لاحظوا هذه الألفاظَ السَّهْلَةَ العذْبَةَ، جَرْسُها سَهْلُ المخرَجِ، وكأَنَّ السِّجِسْتاني، واسمُهُ سَهْلٌ، قد حاكَى في النَّظْمِ اسمَهُ، فأتى بالألفاظِ السَّهْلَةِ.
وقد أعجبني في المعنى نفسِه بيتانِ لشاعِرٍ مجهولٍ ( انظرْهُما في المصدر نفسه والمكان، وكذلك في غُرر الخصائص ص: ١١٢ للوَطْواط ت: ٧١٨هج) رَأيتُ حَسَنًا أنْ أضيفَهما إلى أبياتِ السِّجِسْتانيِّ لمعرِفَةِ الأَدَبِ وقيمَتِهِ: من المُنْسَرِحِ
ما وَهَبَ اللَّهُ لِامْرِئٍ هِبَةً
أَحْسَنَ مِنْ عِلْمِهِ وَمِنْ أَدَبِهْ
هُما جَمالُ الْفَتَى فَإِنْ فُقِدا
فَفَقْدُهُ لِلْحَياةِ أَجْمَلُ بِهْ
———
تَزَيَّنُوا بِالْعِلْمِ والأَدَبِ والأخلاقِ المحمودَةِ تَظْفَروا وَتُفْلِحُوا.
تعليقات
إرسال تعليق