بقلم... أ.د. لطفي منصور مِنْ رَوائِعِ شِعْرِ أبي تَمّامٍ حَبيبِ بنِ أَوْسٍ الطّائِيِّ
بقلم... أ.د. لطفي منصور
مِنْ رَوائِعِ شِعْرِ أبي تَمّامٍ حَبيبِ بنِ أَوْسٍ الطّائِيِّ (ت ٢٣١هج)
...................
مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، والقافُيَةُ مِنَ الْمُتَدارَكِ:
- سَرَتْ تَسْتَجِيرُ الدَّمْعَ خَوْفَ نَوَى غَدٍ
وَعادَ قَتادًا عِنْدَهَا كُلّْ مَرْقَدِ
(سِرَتْ: سارَتْ لَيْلًا، وفي رِوايَةٍ غَدَتْ، أَيْ خَرَجَتْ صَباحًا، كَالْغَدْوَةِ وَالْغَداةِ. تَسْتَجِيرُ الدَّمْعَ: تَسْتَشْفِي بِِهِ، النَّوَى: الْفِراقُ وَالِابْتِعادُ، فَهِيَ تَبْكي الْمُفارَقَةَ، وَانْتابَها خَوْفٌ شَدِيدٌ، الْقَتادُ: الشَّوْكُ, وَالْمَرْقَدُ: الْمَضْجَعُ فهي تَرَى مَضْجَعَها شَوْكًا، فهِيَ لا تَغْفُو)
- وَأَنْقَذَها مِنْ غَمْرَةِ الْمَوْتِ أَنَّهُ
صُدُودُ فِراقٍ لا صُدُودُ تَعَمُّدِ
(الْغَمْرَةُ: ما يَغْمُرُ الْمَرْءَ مِنَ الْماءِ، وَاسْتُعِيرَ هُنا لِلْمَوْتِ. هذهِ الْمَرْأةُ كادَ الْفُراقُ أَنْ يُميتَها، فَأَنْجاها مِنْهُ أَنَّها عَلِمَتْ أَنَّهُ لَيْسَ صُدودًا مُتَعَمَّدًا، وَإنَّما أَمْلَتْهُ الضَّرورَةُ. الضّمِيرُ في أَنَّهُ يَعُودُ إلى النَّوَى في الْبَيْتِ السّابِقِ )
- فَأَجْرَى لَها الْإشْفاقُ دَمْعًا مُوَرَّدًا
مِنَ الدَّمِ يَجْرِي فَوْقَ خَدٍّ مُوَرَّدِ
(أَشْفَقَتْ عَلى نَفْسِها مِنْ أَلَمِ الْفِراقِ ، فَبَكِتْ دَمْعًا خالَطَهُ الدَّمُ ، فَصارَ بُلَوْنِ الْوَردِ عَلى خَدِّها الْوَرْدِيِّ. جانَسَ الشّاعِرُ بَيْنَ الْعَرُوضِ والضَّرْبِ، وَإنْ شِئْتَ قُلْتَ تَصْريعًا، وَهَذا مِنْ خَصائِصِ شِعْرِ أَبي تَمّامٍ)
- هَيَ الْبَدْرُ يُغْنِيها تَوَدُّدُ وَجْهِها
إلى كُلِّ مًًَنْ لاقَتْ وَإنْ لَمْ تَوَدَّدِ
(هِيَ الْبَدْرُ: تَشْبيهٌ بَليغٌ حُذِفَ مِنْهُ الْأَداةُ وِوَجّهُ الشَّبَهِ، وَمِثْلُهُ عندَ الْمُتَنَبِّي: هُوَ الْبَحْرُ، تَوَدُّدُ وَجْهِها: حُسْنُهُ، وَأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُحِبُّهُ. أمّا هِيَ فَلا تَتَوَدَّدُ لِأَحَدٍ عِفَّةً. جانسَ الشّاعِرُ بَيْنَ تَوَدُّدُ وَبَيْنَ تَوَدَّدِ)
-وَلَكِنَّنِي لَمْ أَحْوِ وَفْرًا مُجَمَّعًا
فَفُزْتُ بِهِ إلّا بِشَمْلٍ مُبَدَّدِ
(الوَفْرُ: الْمالُ الْوافِرُ. يَقُولُ: لَمْ أَجْمَعَ مالًا يُغْنينِي، وَإنَّما أَوْلادٌ مُتَفَرِّقُونَ.طابَقَ الشّاعِرُ بَيْنَ مُجَمَّعًا وَمُبَدَّدِ. الطُّباقُ في الْبَلاغَةِ الشَّيْءُ وَضِدُّهُ، وهوَ مِنْ الْمُحَسِّناتِ اللَّفْظِيَّةِ)
- وَلَمْ تُعْطِنِي الْأَيّامُ نَوْمًا مُسِكِّنًا
أَلَذُّ بِهِ إلّا بِنَوْمٍ مُشَرَّدِ
(النَّوْمُ الْمُسَكِّنُ: هوَ النَّوْمُ الَّذِيذُ الَّذي يُريحُ الْبَدَنّ. وَطابَقَ بَيًنَ مُسَكِّنًا وَبَيْنَ مُشَرِّدُ)
- وَطولُ مُقامِ الْمَرْءِ في الْحَيِّ مُخْلِقٌ
لِديباجَتَيْهِ فَاغْتَرِبْ تَتَجَدَّدِ
(يدْعُو الشّاعِرُ إلى السَّفَرِ وَالِاغْتِرابِ، وَعَدَمِ الْبَقاءِ في مَسْقَطِ الرَّأْسِ، فَفي السَّفَرِ تَطَوُّرٌ وَتَجَدُّدٍ. مُخْلِقٌ: مُبْلٍ ، الدّيبَجتانِ أرادَ بِهُما الْخَدَّيْنِ )
- فَإنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ زِيدَتْ مَحَبَّةً
إلى النّاسِ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ بِسَرْمَدِ
(السَّرْمَدُ: الثابِتُ الّذي لا يَبْرَحُ، أَنْ: الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقيلَةِ، وَاسْمُها ضَمِيرُ القِصَّةِ مَحْذوفٌ، أّيْ أّنَّها)
وَفي الْحَثِّ عَلى السَّفَرِ وَالتَّغَرُّبِ يَقُولُ الْإمامّ الشّافِعِيُّ: مِنَ الطَّوِيلًِ
سافِرْ تَجِدْ عِوَضًا عَمَّنْ تُفارِقُهُ
وَانْصَبْ فًَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ في النَّصَبِ
وَيَقُولُ أَيْضًا: مِنَ الْبَسيط
ما في الْمًقامِ لِذِي عَقْلٍ وَذِي أَدَبٍ
مِنْ راحٍَةٍ فَدَعِ الْأَوْطانَ وَاغْتَرِبِ
وَيَقولُ مِنَ الطَّوِيل:
تَغَرَّبْ عَنِ الْأَوْطانِ في طَلِبِ الْعُلا
وَسافِرْ فَفي الْأَسْفارِ خَمْسُ فَوائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ
وَعِلْمٌ وَآدابٌ وَصُحْبَةُ ماجِدِ
(ما يَعْنيهُ الشّافِعِيُّ في التَّغَرُّبِ في الدَّرَجّةِ الْأُولى هُوَ الرِّحْلَةُ في طَلَبِ الْعِلْمِ)
تعليقات
إرسال تعليق