رسالة الى قبر!!! بقلم...أمل هاني الياسري
رسالة الى قبر!!!
بقلم...أمل هاني الياسري
..........................
أحمد: أبي.. لمَ لم تنتظرني لتموتَ في حُضني؟ ألم يمتْ جدي في حضِنكَ؟ إنَّه عتابٌ غيرُ قابلٍ للحلِ، لأنَّها مشيئةُ اللهِ (عز وجل)!!
محمد: بُني... أنا أحبُّ الجلوسَ مع كبارِ السنِ، لقد ذهبتْ الى السماءِ؛ لأرى جدي وأبي وعمي.
أحمد: ولكني اشتقتُ اليكَ فأنا ما زلتُ صغيراً على حديثِ الموتِ، ولا أستطيعُ الاعتناء بوالدتي، ورمادُ فجيعةِ جدي ما زالَ متقداً في قلبي.
محمد: بُني.. ما زلتَ تتنفسُ، لم ينتهِ رصيدُ أيامكَ بعدُ، عِشْ بقلبٍ أبيضٍ، ولا تجعلْ من كورونا اللعينة صياداً يمشي معكَ في شارعٍ ضيقٍ، كنْ معَ الله يكنْ معكَ.
أحمد: وهل تنصحُني بأنْ لا أراسلَ سوى الله، وأزيزُ وجِع فراقكَ يهزُّني؟!
محمد: نعم، لأنَّ فكاهةَ الشيطانِ في الدنيا جعلتني تحتَ وهجَ التراب، مع أنَّني لأكثرِ من شهرٍ كنتُ ممداً على سريرِ الموتِ، لكنَّي أشعرُ الآنَ أنَّه سريرٌ للحظةِ ولادةٍ جديدةٍ، أما حزنُكَ عليَّ فهو أمرٌ مؤقتٌ، لأنَّكَ لا تدركُ مدى الراحةِ التي أنا فيها اليوم. أحمد: أبي.. ما زالتْ هناكَ أسئلةٌ كثيرةٌ أردتُكَ أنْ تجيبَ عليها، فأنتَ كنتَ كثيرَ البلوى قليلَ الشكوى، وعروقُ الصبرِ لديّ لم تثمرْ بعدُ.
محمد: اطمئن يا ولدي.. ألفُ ميلٍ من الوجعِ ستقصدُهُ، يصحبُهُ ليلٌ طويلٌ وأنتَ في حضنِ أمكَ، فأنا أعرفُ أنكَ سليلُ التعبِ، وكفوفُ الملائكةِ ستكونُ فوقَ رأسكَ، فهم لا يقبلونَ بعثراتِ طائرٍ فوقَ شجرة حلمهِ الكبيرِ لأنْ يتألمَ، وأنا سأطوفُ فوقَ بيِتنا كالسندبادِ؛ لأمنحكَ الطمأنينةَ والسلامَ.
أحمد: أبي... هناكَ خليطٌ من نوعٍ خاصٍ يمتزجُ بكَ، وأتمذقُ بمذاقِ دلالكَ العطرِ، فكيفَ سأعيشُ من دونكَ، وملامحُ ضفافِ بيتنِا ستكونُ ظلماءَ لفراقكَ؟ كيفَ سأقنعُ عقلي بهذا الرحيلِ السريعِ؟!
محمد: أنتَ ستكونُ نورَ هذا البيتِ، وستحملُ لوالدتكَ مشاعراً تلامسُ حنايا القلوبِ، فهي صندوقُ عواطفكَ وعواصفكَ! أحمد: دموعي مخلوقاتٌ فضوليةٌ، تخرجُ كلما حدثَ شيءٌ مؤلمٌ، لكنَّها الآنَ حبيسةٌ ترفضُ الخروجَ ولا أعرفُ لماذا؟!
محمد: أبني الوحيد أحمد، أنتَ كل ما خرجتُ به من الدنيا، دعكَ من الكلامِ واستجمع شظايا قلبكَ المنكسرِ، وقبلَ رحيلي سأتركُ سؤالكَ من دونَ إجابةٍ، لأنكَ أنتَ مَنْ ستجيبُ عليهِ بنفسكَ.
أحمد: وداعاً أبي الغالي، سأقولُ لكَ باختصار: في قلبي بكاءٌ فوقَ البكاءِ، وعندما التحقُ في المدرسةِ العامَ القادمَ: سأقولُ لأصدقائي: ما زالَ والدي حياً في قلبي.
محمدٌ (رحمه الله) ابن عمي توفيَ قبلَ ثلاثِ سنواتٍ، وابنُه الوحيدُ أحمدُ ما زالَ ينتظرُ رجوعَهُ، فما كانتْ ردةُ فعلهِ إلا وأنْ أرسلَ هذهِ الرسالةَ الى قبرِ والدهِ، الذي يعتقدُ أنَّه لم يراهُ منذُ أكثرَ من شهرٍ.
أمل هاني الياسري/ العراق
تعليقات
إرسال تعليق