بقلم...أ.د. لطفي منصور الفِكْرْ المُشَتَّتُ والْفِكْرُ الْمُرَكَّزُ: صِفاتُهُما والتَّعامُلُ مَعَهُما:
بقلم...أ.د. لطفي منصور
الفِكْرْ المُشَتَّتُ والْفِكْرُ الْمُرَكَّزُ: صِفاتُهُما والتَّعامُلُ مَعَهُما:
.....................
الْفِكْرُ هِبَةُ اللَّهِ لِلْإنْسانِ، وَمَصْدَرُهُ الْعَقْلُ، والأخيرُ لَيْسَ جِسْمًا، بَلْ طاقَةً يُوَظِّفُها الدِّماغُ، فالْفكْرُ نَشاطُ الْعَقْلِ وَعَمَلُهُ. وَيُقَدِّرُ عُلَماءُ الجنْسِ البَشَرِيِّ أنَّ الإنسانَ الْمُفَكِّرَ لا يَتَعَدَّى وُجودُهُ عَلَى الأرْضِ أرْبَعينَ أَلْفَ سَنَةٍ، أيْ الْعَصْرُ الْحَجَرِيُّ الأَوَّلُ، واستدَلُّوا عَلَى هذا مِنَ الآثارِ التي تَرَكَها هذا الإنْسانُ الصَّيَّادُ، كَرُسومِ الْكُهوفِ لِحَيَواناتِ الصَّيْدِ، والسَّكاكينِ الْحَجَرِيَّةِ وغَيُرِها مِنَ الأَدَواتِ.
يُعاني كَثيرٌ مِنَ الْبَشَرِ مِنْ عَدَمِ التَّرْكيزِ الفِكْرِي والذِّهْْنِي، في حَياتِهِ الْيَوْمِيَّةِ وَيُصيبُهُ النِّسيانُ، فَيَضَعُ الشَّيْءَ الْمُهِمَّ كَمَفاتيحِ السَّيَارَةِ، والنَّظّاراتِ الطِّبِّيَّةِ والشَّمْسِيَّةِ، أوْ ساعَةِ الْيَدِ،ِوَالقَدّاحَةِ، والهاتِفِ الْمَحْمولِ أوْ كِتابًا كانَ يَقْرَأُهُ، فَلا يَدْرِي أيْنَ وَضَعَهُ، وَيَلُفُّ الْبَيَتَ، والمَطْبَخَ، والْمَخْدَعَ، وَشُرُفاتِ المنزِلِ، والْمَقاعِدِ، والْحَمًاماتِ، وَيجَنِّدُ أفْرادَ الْبَيْتِ حَتَّى يَجِدَ ما يُفَتِّشُ عَنْهُ، بَعْدَ أنْ يَهْدُرَ وَقْتَهُ، وَيَحْرُقَ أَعْصابَهُ.
لِماذا يَحْدُثُ هَذا؟
يَحْدُثُ هذا مِنَ التَّشَتُّتِ الْفِكْرِي، عِنْدَ أُناسٍ فِكْرُهُمْ مُنْشَغِلٌ في قَضايا وَأُمُورٍ عِدَّةٍ، كُلُّها تَضْغَطُ عَلَى الأعْصابِ وَالذّاكِرَةِ لِتَخْرُجَ إلَى الْوُجُودِ.
هذا الضَّغْطُ يُضْعِفُ الذَّاكِرَةَ فَيَحْدُثُ التَّشَتُّتُ الْفِكْرِيُّ، وَالنِّسْيانُ أوِ التَّناسِي.
وَأَكْثَرُ ما يَحْدُثُ هذا عِنْدَ سائِقِي السَّيّاراتِ، فَهُمْ مثُقَلونَ بِهُمومِ الْحَياةِ وَتَكاليفِها، خاصَّةً سائِقي الشّاحِناتِ والحافِلاتِ، وهذا سَبَبٌ من أسْبابِ حوادِثِ الطُّرُقِ.
وَمِنْ أسبابِ التَّشَتُّتِ الفِكْرِي قِلَّةُ النَّوٍمِ وهوَ أخْطَرُها، وخاصَّةً الأرَقَ وَالإحْباطَ الْمُنْهِكَ، فَهُما يُضْعِفانِ الذَّاكِرَةَ إلَى حَدٍّ بعيدٍ.
كَيْفَ نَتَعامَلُ مَعَ ظاهِرَةِ التَّشَتُّتِ الفِكْرِيِّ؟
الأفْضَلُ أنْ يَعْرِفَ المَرْءُ مُشْكِلاتِهِ التِي يُعانِي مِنْها مَعْرِفَةً تامَّةً مِنْ كُلِّ جَوانِبِها، وَأنْ يُحَدِّدَها لِيَعْرِفَ أسْبابَها، فَإذا عَرَفَ الأسبابَ سَهُلَ عليْهِ التَّعامُلُ مَعَها وَحَلُّها. وَإذا كانَتِ الْمُشْكِلاتُ كَثيرَةً يُسَجِّلُها مُرَتَّبَةٍ مِنَ السَّهْلِ إلَى الصَّعْبِ، ولا يَبْدَأُ بالصَّعْبِ إلّا إذا كانَ لا بُدَّ مِنْهُ خَوْفَ الفَشَلِ الذي يُسَبِّبُ الإحْباطَ الذي يُنْهِكُ الْعَزيمَةَ.
إذا نَجَحَ الإنْسانُ بِحَلِّ القِسْمِ الصَّعْبِ مِمّا يُعانِي يَصْفُو ذِهْنُهُ، وَيَشْعُرُ بِالرّاحَةِ وَهُدوءِ الْبالِ، فيَنامُ جَيِّدًا وَيَنْفَسِخُ حِمْلٌ ثَقيلٌ عَنْ كاهِلِهِ، وذلكَ في مسائِلِ الزَّواجِ، وتَوفيرِ الْمَنازِلِ، أَو كِتابَةِ الرَّسائِلِ الجامِعِيَّةِ وَغَيْرِها مِنَ الأعْمالِ العَظيمَةِ.
الْعَمَلُ عَلَى تَقْوِيَةِ الذّاكِرَةِ:
تَقْوِيَةُ الذّاكِرَةِ يُوصِلُ إلَى التَّفْكيرِ المُرَكَّزِ: كانَ عُلَماءُ الْمِسْلِمينَ يُقَوُّونَ الذّاكِرَةَ لِلْحِفْظِ بِشُرْبِ الْعَسَلِ فَجْرًا، هكذا قالَ لنا حُجَّةُ الإسْلامِ أبو حامِدٍ الغَزالِيُّ في “رِسالَةِ أَيُّها الْوَلَدُ”، وجاءَ في القُرْآنِ في وَصْفِ الْعَسَلِ “فيهِ شِفاءٌ”.وَفي وَصِيَّةِ الشّاعِرِ أبي تَمّامِ لِلْبُحْتُرِيِّ اشْرَبِ العَسَلَ بَعْدَ صَلاةِ الْفَجْر تُقَوِّ بِهِ ذاكِرَتَكَ.
وَيُخْبِرُكُمْ كاتِبُ هذِهِ الأسْطُرِ بِأنِّي سَلَكْتُ هذا الْمَنْهجَ سَنَواتٍ طَويلَةً، وها أنا أَنْعَمُ بهذِهِ النِّعْمَةِ إلَى حَدٍّ بَعيدٍ والْحَمْدُ لِلَّهِ.
تعليقات
إرسال تعليق