بقلم...أ.د. لطفي منصور الْحُبُّ وَظيفَةُ الجَسَدِ كُلِّهِ: قيسُ لَيْلَى والْحُبُّ:

 بقلم...أ.د. لطفي منصور

الْحُبُّ وَظيفَةُ الجَسَدِ كُلِّهِ:
قيسُ لَيْلَى والْحُبُّ:
........................
لم يَكُنْ حُبُّ قَيْسٍ لِلَيْلَى تَمْثِيلًا، ولا ادِّعاءً، ولا انتِهازِيًّا، ولا مادِّيًّا، ولا غَريزِيًّا وَإنَّما كانَ طَبيعِيًّا، تِلْقائِيًّا يَصْدُرُ عَنْهُ ذاتِيًّا، لا لِجمالٍ سَحَرُهُ، ولا لِذَكاءٍ بَهَرَهُ، أو أُنوثَةٍ مُتَفَجِّرَةٍ انصاعَ لها.
كانَ حُبُّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ ذاتيًّا كما يَصْدُرُ الضَّوْءُ عَنِ الشَّمْسِ، والنّورُ عَنِ البَدْرِ،والزُرْقَةُ عَنِ البَحْرِ، والْحرارةُ عَنِ النّار، وَالظُّلْمَةُ عَنِ اللَّيْلِِِ ، والتَّغْريدُ عَنِ الطَّيْرِ، والْمَيْدُ عَنِ الْغُصنِ.
أحَبَّ قيسٌ لَيْلَى لِأَّنَّها الْقِسْمُ الثّاني الْمُكَمِّلُ لَهُ، الذي بدونِهِ لا تَكُونُ لَهُ حَياةٌ ولا روحّ أو إحساسٌ بالوجود. وما يجري على قيْسٍ ينْطَبِقُ عَلَى لَيْلَى، في حُبِّها لِقَيْس، فالمودَّةُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ كانَتْ متطابِقَةً تَمامًا حَذْوَ النَّعْلِ بالنَّعْلِ، كما يقولونَ في المثَلِ. مِنْ هُنَا نفهمُ أنَّ الحُبَّ لَيْسَ مصدرَهُ القَلْبُ تلكمُ العَضَلَةُ التي تَضُخُّ الدَّمَ، ولا في الدِّماغِ وخلاياهُ البشرِيَّةِ أوِ الأطرافِ غَيْرِ النّاطِقَةِ، فارتباطُهُ إذًا بِالْكائِنِ الْحَيِّ الذي يَهَبُ الجِسْمَ الْحَياةَ والفكرَ والوجودَ كُلَّهُ. هذا الوجودُ الذي لا يُرَى ولا يُحَسُّ ما هو إِلَّا الرُّوحُ الذي هو وَظيفَةٌ الجَسَدِ ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي، وَمَا أوتيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلا).
مِنْ هنا نفهم أنَّ الْعِشْقَ الصَّحيحَ هو من عَمَلِ الرُّوحِ، ويُؤَيِّدُ هذا قَوْلُهُ صَلَّى اللّهُ عليْهِ وسلَّمَ، ولَهُ صِيَغٌ عِدَّةٌ: "الأرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ ما تَآلَفَ منها اتَّفَقْ، وما تَخالَفَ منها افْتَرَقْ".
وَلْيَعْلَمْ صديقي القارِئُ أنَّ الزِّنَا والسِّفاحَ ليسا مِنَ الْحُبِّ في شَيْءٍ، وإنّما عَمَلٌ بَهيمِيٌّ مُحَرَّمٌ.
اخترْتُ لَكُمْ أبياتًا لقيسِ بنِ الْمُلَوِّحِ عَشيقِ ليلى العامِرِيَّةِ لنرى كَيْفَ يُصَوِّرُ حرارَةَ الْعِشْقِ ولهيبَه: مِنَ الطَّويل
- ألا في سَبِيلِ الْحُبِّ ما قَدْ لَقيتُهُ
غَرامًا بِهِ أَحْيَا وَمِنْهُ أذوبُ
- ألا في سَبِيلِ اللَّهِ قَلْبٌ مُعَذّبٌ
فَذِكْرُكِ يا لَيْلَى الْغَداةَ طَروبُ
- أ يا حُبَّ لَيْلَى لا تُبارِحْ مُهْجَتِي
فَفِي حُبِّها بعدَ المَماتِ قَريبُ
- أقامَ بِقَلْبِي مِنْ هَوايَ صَبابَةً
وَبَيْنَ ضُلوعي والْفُؤادِ وَجِيبُ
- فَلَوْ أَنَّ ما بي بِالْحَصَى فُلِقَ الْحَصَى
وَبِالريحِ لم يُسْمَعْ لَهُنَّ هُبوبُ
- وَلَوْ أنَّ أَنْفاسي أصابَتْ بِحَرِّها
حَديدًا لَكانَتْ لِلْحديدِ تُذيبُ
————-
تُبارِحْ: تفارِق. فهو بريد استمرارَ الحُبِّ بعدَ الممات.
الوجيبُ: خفقانُ القلبِ.
هذا ما يفعلُهُ العِشْقُ بالعاشِقِ. الحُبُّ لَيْسَ بإرادَةِ الإنسانِ إذا وَقَعَ ورَسَخَ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسراب نحيب... بقلم...عماد عبد الملك الدليمي

✿✿✿✿((لاتيأسْ))✿✿✿✿ بقلم...عدنان الحسيني

رحيل عبر الأثير... بقلم... دنيا اليوسف