بقلم...أ.د. لطفي منصور "عَوْدٌ إلى الْأَدَبِ عَوْدَةُ الرُّوحِ"
بقلم...أ.د. لطفي منصور
"عَوْدٌ إلى الْأَدَبِ عَوْدَةُ الرُّوحِ"
....................
مِنْ مُخْتارات عَبْدِ الْحَيِّ بْنِ عَلِيٍّ الْمَعْروفِ بِابْنِ الطَّويلِ الدِّمَشْقي، الْمُلَقَّبِ بِالْخالِ ، بِتَحْقيقِنا وَدِراسَتِنا وَضَبْطِنا:
قالَ أَبُو بَكْرٍ الْكاتِبُ: (ت٢٤٠هج) كانَ لي صاحِبٌ، وَكانَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ، قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنَ الْعِشْقِ، فَقُلْتُ لَهُ: يا أَبا فُلانْ ما حالُكَ، وَأَيْنَ النِّعْمَةُ الَّتي كُنْتَ فِيها؟ قالَ: تَغَيَّرَ قَلْبِي بِالْمَحَبَّةِ فَتَغَيَّرَتِ النِّعْمَةُ. ثُمَّ بَكَى وّأَنْشَأَ يَقُولُ: مِنَ الْبَسِيطِ
- أَرَى التَّجَمُّلَ شَيْئًا لَسْتُ أُحْسِنُهُ
وَكَيْفَ أُخْفِي الْهَوَى وَالدَّمْعُ يُعْلِنُهُ
- أَمْ كَيْفَ صَبْرُ مُحِبٍّ قَلْبُهُ دَنِفٌ
الشَّوْقُ يُنْحِلُهُ وَالْبُعْدُ يُحْزِنُهُ
(الدَّنِفُ: مَريضُ الْهَوَى)
- وَإنَّهُ حِينَ لا وَصْلٌ يُساعِدُهُ
يَهْوَى السُّلُوَّ وَلَكِنْ لَيْسَ يُمْكِنُهُ
- وَكَيْفَ يَنْسَى الْهَوَى مَنْ أَنْتِ فِتْنَتُهُ
وَفَتْرَةُ اللََحْظِ مِنْ عَيْنَيْكِ تَفْتُنُهُ؟
فَقُلْتُ لَهُ: أحْسَنْتَ وَاللَّهِ!
فَقالَ: قِفْ قَليلًا، فَوَاللّّهِ لَأَطْرَحَنَّ في أُذُنَيْكَ أَدَبًا أَثْقَلَ مِنَ الرَّصاصِ ، وَأَخَفَّ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الرِّيشِ. وَأَنْشَدَ مِنَ الْبَسيطِ
- لِلْحُبَِ نارٌ عَلَى قَلْبِي مُضَرَّمَةٌ
لَمْ تَبْلُغِ النّارُ مِنْها عُشْرَ مِعْشارِ
- الْماءُ يَنْبُعُ مِنْها في مَحاجِرِها
يا لَلرِّجالِ لِماءٍ يَنْبُعُ مِنْ نارِ
وَأَنْشَدَ أَيْضًا: مِنَ الْمُتَقارَبِ
- أَعادَ الصُّدُودَ فَأَحْيا الْغَلِيلَا
وَأَبْدَى الْجَفاءَ فَصَبْرًا جَمِيلَا
(صَبْرًا: مَفْعولٌ مُطْلَقٌ بِعامِلٍ مَحْذوفًا تُقْدِيرُهُ اِصْبِرْ )
- وَأَحْسَبُ نَفْسِي عَلَى ما تَرَى
سَتَلْقَى مِنَ الْهَجْرِ هَمًّا طَوِيلَا
- وَأَحْسَبُ قَلْبِي عَلَى ما تَرَى
سَيَذْهَبُ مِنِّي قَلِيلًا قَلِيلَا
فَقُلْتُ لَهُ: ما قُلْتَ مِنْ بَعْدِي مِنَ الشِّعْرِ؟ قالَ: ما حَفِظَهُ النّاسُ وَنَسِيتُهُ - فَتَعَجَّبْتُ مِنْ قَوْلِهِ مَعَ اخْتِلالِهِ - وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلي وَأَنْشَدَ: مِنَ الْخَفِيفِ
- كَبِدٌ شَفَّها عَلَيْكِ التَّصابِي
بَيْنَ هَجْرٍ وَسَخْطَةٍ وَعِتابِ
(شَفَّها: أَنْحَلَها وَضْعَفَها؛ الْكَبِدُ مُؤَنَّثَةٌ نّقولُ: كَبِدٌ حَرَّى) التَّصابي: الرُّجوعُ إلَى الصِّبا " الْوَلْدَنَةُ")
- كُلُّ يَوْمٍ تَدْمَى بِجُرْحٍ مِنَ الشَّوْ
قِ وَنَوْعٍ مُجَدَّدٍ مِنْ عَذابِ
(فاعِلُ تَدْمَى ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ إلَى الْكَبِدِ)
- يا سَقِيِمَ الْجُفُونِ أَسْقَمْتَ جِسْمِيِ
فَاشْفِنِي كَيْفَ شِئْتَ لا بِكَ ما بِي
(سَقيمَ الْجُفُونِ: الْعُيُونُ الْفاتِوَةُ؛ لا بِكَ: يَدْعُو لَها أنْ لا يُصيبَها مِمّا بِهِ)
- إنْ أَكُنْ مُذْنِبًا فَقَدْ حَسُنَ الْعَفْ
وُ أَوِ اجْعَلْ سِوَى الصُّدُودِ عِقابِي
هذا الشِّعْرُ لا يَقُولُهُ إلّا الْعُشّاقُ الْعُقَلاءُ. لَكِنَّ الْعَرَبَ أَحَبَّتْ أنْ تَنْسِبَهُ إلَى الٍمُخْتَلِّينَ.
تعليقات
إرسال تعليق