بقلم... أ.د. لطفي منصور لَمْلِمْ شَتاتَكَ: (دَرْسٌ في التَّواضُعِ)
بقلم... أ.د. لطفي منصور
لَمْلِمْ شَتاتَكَ:
(دَرْسٌ في التَّواضُعِ)
................
لَمْلِمْ شَتاتَكَ الْمُبَعْثَرَ؛ أَيُّها الْمَغْرورُ بِعِلْمِكَ وَنَفْسِكَ وَعَقْلِكْ.
مَهْما طالَتْ قامَتُكَ "لَنْ تَخْرُقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولا". أَلَمْ تَعْلَمْ أنَّ سَقَطَكَ مِنْ بَحْرِ عِلْمِكَ يَرْبُو عَلَى لَقَطِكَ؟ وَمَنْ كَثُرَ لَغَطُهْ زادَ غَلَطُهُ؟ وَالَّذِي يَدَّعِي الْمَعارِفَ كُلَّها يَفْشَلُ في أَبْسَطِ الِاخْتِباراتِ، وَيُصْبِحُ في حالَةٍ لا يُحْسَدُ عَلَيْها. أَلَمْ تَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعالَهُ تَعالَى "يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْديهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، ولا يُحيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ، إلا لِمَنْ يَشاءُ".
فَالْعِلْمُ مَشِيئَةٌ إلَهِيَّةٌ حَثَّنا اللَّهُ عَلَيْها لِاكْتِسابِهِا، وَفَضَّلَ الْعُلَماءَ عَلَى سائِرِ الْبَشَرِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ".
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ المُساواةَ لا تَمْنَحُ صاحِبَها الْكِبْرَ وَلا الْخُيَلاءَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ: "لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ وَلا أَعْجَمِيٍّ إلّا بِالتَّقْوّى".
وَصَدَقَ أبو نُواسٍ في خِطابِهِ لِلنَّظّامِ أَحَدِ رُؤوسِ الْمُعْتَزِلَةِ:
فَقُلْ لِمَنْ يَدَّعِي في الْعِلْمِ فَلْسَفَةً
حَفِظْتَ شَيْئًا وَغابَتْ عَنْكَ أَشْياءُ
أجَلْ غابَتْ عَنَّا أَشْياءُ لا شَيْءٌ واحِدٌ، وَذَهَبَ أبو العلاءِ الْمَعَرِّي هذا الْمَذْهَبَ وَقالَ: بحرُ السَّريع
لَوْ عَرَفَ الإنْسانُ مِقْدارَهُ
لَمْ يَفْخَرِ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ
أَمْسِ الَّذي مَرَّ عَلَى قُرْبِهِ
يَعْجَزُ أَهْلُ الأَرْضِ عَنْ رَدِّهِ
وَقَدْ بَيَّنَ لنا القُرْآنُ قِلَّةَ الْعِلْمِ عِنْدَما، وَأنَّ اللَّهَ قَدِ انْفَرَدَ عَنْ عِبادِهِ بِعِلْمِهِ الرَّبّانِيِّ فَقالَ:
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَما أُوتِتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلّا قَليلًا". فَالإنسانُ عاجِزٌ عَنْ إدْراكِ نَفْسِهِ التي هِيَ في كُلِّ خَلِيَّةٍ مِنْ خَلايا جِسْمِهِ. فَلِمَ الْعَجْرَفَةُ إذًا؟؟
فيا أَيُّها العالِمُ اِتَّقِ اللَّهَ واعْرِفْ نَفْسَكَ أَوَّلًا، فَإذا عَرَفْتَ مِنْها الظّاهِرَ عَرَفْتَ ضَعْفَكَ، وَعَرَفْتَ نْفْوسَ الآخَرينَ. صُنْ نَفْسَكَ تَنْجُ مِنْ مَكْرِ النّاسِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هُناكَ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنَكَ قُوَّةً وَعِلْمًا، فَلِمَ التَّبَجُّحُ، واللَّهُ يَقُولُ:"وَفَوْقَ كُلِّ ذي عِلْمٍ عَليمٌ"، وَاطْلُبُ الْعِلْمَ ما اسْتَطَعْتَ، فَهُوَ مِنْ وَظائِفِ الإنْسانِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ، بِجانِبِ كَوْنِهِ زِينَةً لَكَ، وَعَوْنًا لَكَ في كَسْبِ قُوتِكَ وَقُوتِ عِيالِكَ، واستَزِدْ مِنْهُ مُرَدِّدًا قَوْلَهُ تَعالَى: "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا". وَلْيَكُنْ شِعارُكَ قَوْلَ فَيْلَسوفِ الشِّعْرِ أَبو الْعَلاءِ الْمَعَرِّي: "تَواضَعُوا في الْخُطوبِ تَرْتَفِعُوا".
إلى هُنا.
تعليقات
إرسال تعليق