من أجمل ما قِيلَ في وصفِ الوجه...بقلم... أ. د. لطفي منصور
بقلم... أ. د. لطفي منصور
من أجمل ما قِيلَ في وصفِ الوجه قولُ طَرَفَةَ بنِ العبدِ في معلّقَتِهِ: من الطويل
وَوَجْهٍ كَأَنَّ الشَّمْسَ أَلْقَتْ رِداءَها
عَلَيْهِ نَقِيُّ اللَّوْنِ لَمْ يَتَخَدَّدِ
(ألقتْ رداءَها أي ضَوْءَها فبدا أبيضَ، لا اضطرابَ فيه، وهو مُشتَقٌ مِنَ الْخَدِّ الذي يضطربُ عِنْدَ الأكل. والأحسنُ عندي لا طَيَّ فيه بَلْ أسِيلٌ أمْلَسُ. وهنا استعارَةٌ تصريحيّةٌ بتشبيه ضوءِ الشمسِ بالرداء وهو ما يُلْبَسُ).
أمّا المُرَقِّشُ الأكبرُ فقال في وصفِ الوجهِ فَأحسَنَ في قصيدتِهِ الميميَّةِ ذاتِ القافيةِ المغلقَةِ فقال:
من السريع
النَّشْرُ مِسْكٌ وَالْوُجوهُ دَنا
نِيرُ وَأطْرافُ الْبَنانِ عَنَمْ
(النشر: الرائِحة. الْمِسك: نوعٌ من الطِّيب. البَنان: اسم جمع مفردُهُ بَنَانَه وهي طَرَفُ الإصبَع. العنَمُ: شَجَر صحراوي له ثمرٌ أحمرُ يُدبَغُ به. شبَّهَ أطرافَ الأصابع واحمرارَها الطبيعيَّ بالعنَم.
المرقِّشُ لَقَبٌ للشاعرِ ومعناهُ الْمُزَيِّنُ، سُمِّيَ به لقوله في البيت الثاني من هذه القصيدةِ - التي هي من الْمُفَضَّليّات التي جمعها المفضّلُ الضَّبِّي ليعلِّمها للخليفة المهدي العبّاسي عندما كان أميرًا ووليًّا للعهدِ:
الدّارُ قَفْرٌ والرُّسومُ كَمَا
رَقَّشَ في ظَهْرِ الأديمِ قَلَمْ
الرسوم: الأطلال؛ الأديم: الجلد الذي كان يُكتبُ عليه. والبيتُ يدلُّ على أنّ العرَبَ عرفوا الكتابَةَ في الجاهليَّة).
الشعرُ في وصفِ الوَجهِ عضوًا عضوًا كوصفِ الجبين، والخدَّين والثغر والشفتين والعينين والعِرنين (الأنف) والوجنتين والْعِذار كثيرٌ يصعُبُ حصْرُه. أما وصفُ الوجه بصورته الكاملة فهو أَقَلُّ بكثير.
وقد قرأتُ وصْفًا جميلًا للوجه في كتاب "الْحُورُ الْعِينُ" لنَشْوان الْحِمْيَري (ص ٩٤) فَأعْجَبني لأنّه لم يصفْ جمالَهُ بَلْ دعا الرحمن أن لا يقبِّحَه - بالْكِبَرِ لأنّهُ لا شبيهَ له: يقول: من الهَزَج
أَلَا لا قَبَّحَ الرَّحْما. نُ ذاكَ الْوَجْهَ مِنْ وَجْهِ
فَمَا أنْ عايَنَ النَّاسُ. لَهُ في النَّاسِ مِنْ شِبْهِ
ولو استرسلتُ في وصفِ الوجه وتشبيهه بالبدر أو بالشمس أو بدينارِ الذهب كما رَأينا لاحتجنا إلى وقتٍ طويل.
سلمتم ودمتم.
تعليقات
إرسال تعليق