بقلم...أ.د. لطفي منصور اِسْتراحَةٌ مَعَ قِصَّةٍ للِأَحَدِ الْبُخَلاءِ

 بقلم...أ.د. لطفي منصور

اِسْتراحَةٌ مَعَ قِصَّةٍ للِأَحَدِ الْبُخَلاءِ
....................
دَعا رَجُلٌ بَخِيلٌ صَديقًا لَهُ إلَى وَليمَةٍ، فَلَما حَضَرِ الضَّيْفُ أجْلَسَهُ، وَتَناوَلَ دِرْهَمًا مِنْ صَنْدُوقٍ وَخَرَجَ إلَى السُّوقِ لِيَشِتَرِيَ شَيْئًا لِصَدِيقِهِ. فَأَتَى إلَى الْجَزّارِ فقالّ: اِدْفَعْ لِي بِهَذا الدِّرْهَمِ لَحْمًا طَيِّبًا, فَقالَ لهُ الْجَزّارُ: سَأَدْفَعُ لَكَ لَحْمًا كَأَنَّهُ الشَّحْمُ الْمَسْبُوك.
فَقالَ الْبَخِيلُ في نَفْسِهِ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنِ الشَّحْمُ أطْيَبَ ما اسْتَشْهَدَ بِهِ. فَقالَ لِلْجَزّارِ: اِدْفَعْ لِيَ الدِّرْهَمَ لا إرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ لَحْمًا. فَدَفَعَ لَهُ الدِّرْهَمَ وَمضى إلَى صاحِبِ الشَّحْمِ فَقالَ: أَعْطِنِي بِهَذا الدِّرْهَمِ شَحْمًا طَيِّبًا. وَدَفَعَ لَهُ الدِّرْهَمَ، فَأَخَذَهُ الشَّحّامُ وَقالَ: سَأُعْطِيكَ شَحْمًا كَالدِّمَقْسِ المُفَتَّلِ أَطْيَبَ مِنَ السَّمْنِ.
فَقالَ الْبَخِيلُ في نَفْسِهِ: لَوْ لَمْ يَكُنِْ السَّمْنُ خَيْرًا مِنَ الشَّحْمِ وَأَطْيَبَ ما ذَكَرَهُ لِي. وَاللَّهِ لا أَخَذْتُ إلّا سَمْنًا. فَمَضَى إلَى السَّمّانِ وَقالَ لَهُ: اِدْفَعْ لِي بِهذا الدِّرْهَمِ سَمْنًا وَلْيََكُنْ طَيِّبًا. فَقالَ لَهُ: خُذْ سَمْنًا طَيِّبًا ىكَأَنَّهُ الزُّبْدُ. فَقالَ الْبَخيلُ في نَفْسِهِ: لَوْ لَمْ يَكُنُ الزُّبْدُ أَطْيَبَ مِنَ السَّمْنِ وَأَلَذَّ ما كانَ ذَكَرَهُ لِي، وَاللَّهِ ما أَخَذْتُ خَذْتُ إلّا زُبْدًا. ثُمَّ مَضَى لِصاحِبِ السَّمْنِ: لا أُريدُ سَمْنًا فَادْفَعْ لِيَ الدِّرْهَمَ، فَأَخَذَهُ وَمَضَى إلَى صاحِبِ الزُّبْدِ وَقالَ لَهُ: أعْطِنِي بهذا الدِّرْهَمِ زُبْدًا طَيِّبًا طَرِيًّا. قالَ: خُذْ زُبْدًا ناعِمًا رائِقًا كَأَنَّه الشِّيرَجُ (زيت السُّمْسُم وهي فارسيَّة فصارتْ في العامِّيَّة سِيرَج) فَقالَ الْبَخِيلُ في نَفْسِهِ: واللَّّّهِ لَوْ لَمْ يَكُنِ الشِّيرَجُ أًلَذَّ ما قالَ لِي عَنْهُ، وَاللَهِ لا أَشْتَري إلّا شِيرَجًا، وَطَلَبَ الدِّرْهَمَ وَأَخَذَهُ وَسارَ إلَى صاحِبِ الشِّرَجِ وَقالَ لَهُ: اِدْفَعْ لي بِهذا الادِّرْهَمِ شِيرَجًا طَيِّبًا. فَقالَ لَهُ سَأَدْفَعُ لَكَ شِيرَجًا كَأَنَّهُ الْماءُ في الصَّفاءِ.
كانَ الْبَخِيلُ طُولَ دَهْرِهِ لا يَأْكُلُ ىإلّا الْخُبْزَ وَالْماءَ (وهما ىالأَسْوَدان أوِ التَّمْرُ والْماءُ). فَقالَ في نَفْسِهِ: دُرْنا دَرْنا وَجِئْنا ‘لَى الأَوَّلِ. ثُمَّ أَخَذَ الدِّرْهَمَ وَعادَ إلَى مَنْزِلِهِ، وَقَدَّمَ لِضَيْفِهِ خُبْزًا وَمَاءً. فَقالَ الضَّيْفُ: ما هَذا؟ فَقالَ الِبَخِيلُ: هَذا غايَةُ غايَةِ غايَةِ غايَةِ غايَةِ غايَةِ اللَّحْمِ. فَخَرَجَ صَديقُهُ مَغْضَبًا حَرْدانَ (حَرِدَ يَحْرَدُ فَهُوَ حَرِدٌ في قِمَّةِ الْغَضَبِ).
فَقالَ الْبَخِيلُ بَعْدَ خُروجِ ضَيْفِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّنا ما أَسْرَفْنا في خُرُوجِ الدِّرْهَمِ فَنَكُونَ مِنَ الْمُبَذِّرِينَ إخْوانِ الشَّياطِينِ. ثُمَّ رَدَّ الدِّرْهَمَ إلَى مَكانِهِ في الصُّنْدُوقِ، وَقَفَلَ عَلَيْهِ كَما كانَ أَوَّلًا.
حِكْمَتي: لا تُصاحِبْ بَخِيلًا وَلَوْ أَراكَ شَيْئًا أَعْجَبَكَ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْكَ حاجَةً وَأَنْتَ في أَمَسِّ الأَْحْوالِ إِلَيْهَا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسراب نحيب... بقلم...عماد عبد الملك الدليمي

✿✿✿✿((لاتيأسْ))✿✿✿✿ بقلم...عدنان الحسيني

رحيل عبر الأثير... بقلم... دنيا اليوسف